إطلالة الحداثة من نافذة الفيصل
بعث لي الصديق الأستاذ ماجد الحجيلان بعدد من مجلة الفيصل التي يرأس تحريرها. فور أن أخرجتها من غلاف البريد وقلبت مواضيعها هتفت في اعماقي دواعي الحنين لأيام تباعدت وأسماء وقضايا خرجت من حاضر حياتي وأوشكت أن تغيب إلى الأبد. عالم ثقافي كان يوماً من الأيام ملء السمع والبصر. أدونيس جورج طرابيشي برهان غليون محمد حسن عواد وعزيز ضياء بغليونه وعلى الدميني. وعناوين صحفية تراوح بين التحريض والجمال. كانت لغة المبشرين بمجد الإنسان. كلام كنت يوماً من صانعيه والراكضين وراءه أصبح اليوم غريباً على وعيي.
الحداثة. ذلك هو الاسم الذي يطلق على الفترة التي تبوح بزمانها مواضيع المجلة. الستينات والسبعينات والثمانيات. كانت مشروعا يطمح أن يغطي نواحي الحياة المختلفة. العمل المتواصل على الوجدان. ما الأدب والشعر سوى بداية الشعلة المضيئة. لا أعرف هل كانت تلك الحداثة التي حلم بها الإنسان في عالمنا واقعاً أم حلماً. قدمت نفسها كبرنامج واقعي يقوض الرومانسيات الماضوية لكن عندما تلتفت إلى أنقاضها اليوم لن ترى في بقاياها سوى أحلام. تنظر إليها كأنما تطل من نافذة طائرة على سحابة بعيدة. خرجت من حياة المثقفين بلا هزيمة. دون أن تترك أنقاضاً صلبة يمكن زيارتها والبكاء عليها. سراج انطفأ هكذا. لا يمكن القول إن الظلام انتصر. فالظلام لا وجود له. حضوره يتجلى بغياب الآخر. الظلام لا يقاوم ولا يسعى لإثبات حقيقته ولا يعرف معنى الحركة أو الرحيل. لكي يختفي على الآخرين الا يرحلوا عنه. حضرت الحداثة ثم رحلت دون ان ينازلها مشروع آخر ليقصيها. هجمات الأصوليين ثم الماضويين لم تكن حركة في أي اتجاه ولم تكن حرباً. كانت تعبيرا عن حضور أبدي للظلام في روح البشر. جزء من الطبيعة كالألم والتعاسة والموت. الحياة ليست سوى سعي دؤوب لوضع حد لهذه التوجهات الهدامة.
لا يوجد تعليقات